2012-12-10

أمطارنا...و حمارنا

هذا اليوم لم يكن مثل باقي الأيام...فقلما يشهد أهل حيًنا حدث مثل هذا. فاليوم و بعد أن يأس الجميع من أن يشهدوا حدثا يعيد لهم الأمل و التفاؤل الذي فقدوه منذ مدًة ليست بالقريبة بدأت بشائر الأمل بالمطر عندما أخذت قطرات المطر تهطل. أنفرجت أسارير الحجيًة والدتي و هللت قائلة " يا الهي...منًك الفرج " . خرجنا جميعا ننظر الى المطر الذي طال أنتظاره .قطرات و قطرات كبيرة تنزل بقوة على الأرض فتتناثر مداعبة تراب الأرض. خالتي أم عدنان صاحت بوالدتي " حجية أم لبيب...شفتي...السيد كال يجي يوم و تمطر  " طبعا أنا ضحكت في قرارة نفسي و أجبتها بصوت عال " خالة أم عدنان...يعني قابل مقولة السيًد هي من عناصر دورة الماء في الطبيعة " طبعا نهرتني خالتي ام عدنان غاضبة و قالت " مسودن أنت شنو اللي مفهمك...لو كان براسك خير كان لكيت شغل " .  قلت في نفسي " هسًه الا تترزل لبيب....أشو كلما تبدي رأيك تترزًل " . عمي ثجيل صاح هو الآخرر بينما وتيرة نزول المطر تتسارع و قطرات المطر تكبر " آلهي...شوية كهرباء حتى نكعد وزن " ...قلت له صائحا " عمو ثجيل..مو ماي و كهرباء يعني راح تنًتل نتلة قوية...و نتلة الكهرباء مو زينة عليك " هنا أكمل عمو ثجيل دعائه " يا رب شوف شغله لهذا لبيب وبلكت تكون في الصين حتى فد مرًة نرتاح من هالقهر " هاي شنو اليوم...أشو ياهو اللي أحجي وياه يرزلني
خالتي حمدية صاحت هي الأخرى من بعيد " اليوم  الله فرجها بالمطر و أكيد باجر يفرجها أكثر و تنحل مشكلة دبًات الغاز و البانزين " ...و أنا و بغريزتي المتوقدة أجبتها " خالة حمدية شنو يعني...قابل باجر راح راح تمطًر دبات غاز و جليكانات بانزين " هنا صاحت خالتي حمدية " من أن شاء الله فد دبًة غاز تنزل على راسك و نخلص " ...للمرًة الثالثة أترزًل في يوم ممطر
هنا أشتد المطر و كبرت حباته. بدأ منسوب المياه بالأرتفاع و وصل الى حافة الرصيف. شاهدت القلق على وجوه الحميع لكن خالتي نشمية الخبازة طمأنت الجميع مذكرة أياهم بما قاله أمين العاصمة حول جهوزية مجاري المدينة لأبتلاع أكبر حوت موجود على الكرة الأرضية مضافا اليه فيل طائر و غواصًة صغيرونة . بدا الجميع أكثر فزعا من قبل بعد أن أنهت خالتي نشمية تطميناتها حيث ذكرتني وجوههم بوجوه  الناس الجالسة في المقهى وهم يسمعون و عبر التلفاز وعود أبو أسراء ام المائة يوم .

أستمر نزول المطر و بشدة .و بدأ منسوب المياه المختلطة بمياه المجاري بالصعود الى حافات الأبواب الخارجية و بدأ الماء يتسرب الى داخل البيوت . هنا و كبًت العيطة . أبو عدنان علًق ذيل دشداشته بفمه خوفا من أن تبتل بالمياه و أخذ يركض يمينا و شمالا بحثا عن سطل يكرف بي الماي. أم عدنان صاحت به و بشدًة بأن ينزل من تلابيب الدشداشة خوفا على عذارى المنطقة من منظر سيقانه البهي . كما سمعت صراخا آتيا من بيت خالتي نشمية الخبًازة. ركضنا كلنا بأتجاه بيتهم عبالنا واحد غرك . خالتي نشمية كانت تولول و تلطم على خدودها . هاي خاله شبيج ؟...فأجابتنا و هي تلطم " يمًة التنور مالي الي فوك السطح غرك والماي وصل لي حلك التنور . أنا علقت بعفوية و قلت لها " خالة بعد شتريدين...مسبح فوك السطح...حتى أبو أسراء الوردة ما عنده هيجي شئ " و هناك و ما حسًيت الا و علباتي مثل الجمرة من أثر علابيه أنطاها لي عمًي أبو عدنان و هو يقول  " ولك ما شايف رزق الناس أنكطع و أنت جاي تنكًت على هالطركاعة " ...طبعا أنا تأثرت جدا بهذا الموقف الذي جرح كرامتي لأبعد الحدود و أجبته قائلا " عمي قابل هيه علم...تزرف التنور من الأسفل و يطلع الماي و كلشي يكعد وزن " طبعا الكل نظر الي بعين العطف من جرًاء العلابية التي أكلتها ثم بعين الأحترام على فكرتي بزرف التنور من الأسفل و كأني قد أفصحت لهم عن أسرار صناعة صواريخ الفضاء 

أستمر نزول المطر بشدًة و أزدادت معها مصائبنا . مدرسة الأطفال غرقت و ذهبنا لنقل الأطفال الى بيوتهم أنا و جارنا عمًار أبن خالتي حمدية . فهو يملك عربة يجرها حمار يستعملها في بيع الغاز . و الشهادة لله حماره هذا طلع بلوى...ماكو حفرة بالشارع ما يعرف مكانها و يتجنبها حتى و أن كانت الشوارع مغمورة بالمياه . و الله عمًي طلع حمار عفريت يفتهم أحسن من حكومتنا و يفيد الناس أحسن منهم. يا ريت كل أعضاء البرلمان مثل هالحمار . الحمد لله تمًت عملية أخلاء المدرسة بدون أي خسائر لا من طرف الطلًاب و لا من طرف حمارنا و عربانة عمًار
و أستمر هطول المطر و غرقت الشوارع و أنقطعت الكهرباء المقطوعة أصلا و صار حالنا حال. الكل كان حزين و كئيب في هذا اليوم الا أثنين ..بط خالتي نشمية الخبازة اللي وجد في تنورها الممتلئ بالماء ملاذ للسباحة التي لم يمارسها منذ فترة طويلة و صديقي عمًار أبن خالتي حمدية الذي أخذ يتفاخر بأن كل السيارات الحديثة الفارهه التي يركبها حديثو النعمة قد توقفت بعد أن غمر الماء محركاتها بينما أستمر حماره الذي أشتراه بعرق جبينه بالسير في الشوارع المغمورة بالمياه دون صعوبة تذكر
و بعد أن توقف المطر بدأ الجميع بتنظيف البيوت و محاولة سحب المياه من داخلها و عمل جسور من الطابوق بين بيوتهم و بين الشارع الرئيسي. و مع كل هذا لم نر أحد من أمانة العاصمة أو من أعضاء البرلمان يواسينا و يعيننا على بلوتنا .أين ذهبت نقود الميزانية . ماذا كانت تفعل أمانة العاصمة . مالذي خططوه لشتاء هذا العام . ماذا لو أستمر المطر بالنزول لأسابيع . أسئلة نسألها و نسمع صدى أصواتنا و لا شئ غير ذلك.  و هنا سمعت جارتنا الخالة حمدية و هي تضرب كفا بكف و تقول " مطرنا مثل حكومتنا...أي و الله مثل حكومتنا " هنا هرشت شعر رأسي المسكين لأني لم أفهم العلاقة الجدلية بين المطر و الحكومة خاصًة و أن البطيخ ليس من فصيلة الشلغم فسألتها قائلا " خالة حمدية...شنو الربط بين المطر و الحكومة " باوعت علي خالتي حمدية و هزًت رأسها قائلة " و لك مسودن فوكاهه الحجية مسميتك لبيب...أسم على غير مسمًى من هاي ما لاكي شغل ليهسًة " هنا رجوت خالتي حمدية بالأجابة على سؤالي بدون رزايل و جرح مشاعر فأجابتني قائلة " يمًة الحكومة مثل مطرنا هذا...من جتي عبالنا أجا الخير.... و بعدين و بالنهاية ما أكلنا غير الطين...أفتهمت ؟؟ "...قلت في نفسي و الله عمي خالتي حمدية كلها حكم...بس جيب اللي يفتهم
السؤال في نهاية هذه الحلقة هو ...كم يسوى حمار جارنا عمًار بعد أن أثبت و بجدارة أنه أهل للثقة أكثر من أمين العاصمة...سؤال يجاوب عليه اللي يعرف قدر الحمار...و قدر أمين العاصمة و أعضاء الحكومة الساهرة على خدمة المواطن
 
من مذكرات واحد نايم و رجليه بالمطر    
 
 
دائما تثبت لنا أيام الأمطار..اننا لايجب أن نثق الا بالحمار